تجليات الأنا و الغبن في الخطاب الشعري الشعبي محاولة في رسم معالم الّذات و الآخر. "قلبي تفكر الأوطان" نموذجا

إنسانيات عدد 17-18 | 2002 | لغات و مجتمع - اللغة و الخطاب | ص 69-84 | النص الكامل


Poetic discourse, nostalgia and self-projection.

Abstract: Reactions towards others, who are different, have produced several phenomenon’s, that of military action, urban segregation and different types of artistic expression.
Popular poetry is considered as the most important literary expression in Algeria; it enables a deep study of socio-literary aspects.
Recourse to dismissal of what is Algerian in popular poetry in so much as discourse reflecting reactions in front of Arabic language apprentice ship being forbidden to popular classes, who under went all sorts of humility and, suffering, and temptations, during the colonial period.
If the Arabic language met a great deal of obstacles preventing its natural function to express the painful situation of the Algerian dismissal, this expression is artfully shown by popular poetry.

Key words : Oneself – poetic discourse – language – pain – popular poetry the other – poetic function – being – creation – personality – myth


Mohamed Bachir BOUIDJRA  : Professeur et doyen de la Faculté des arts et des langues et des arts, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie


 

إن انبعاث طوفان القول الفني غريزة صاحبت السيرورة الإنسانية منذ القدم، على الرغم من تنوع أدواته واختلاف أجناسه و من هذا المنطلق يُحسب الجنس الأدبي من أهم معالم ذلك الطوفان النابع من القلب فتعددت، أجناسه و صوره، بداية من النص التراجيدي اليوناني القديم إلى شعر التفعيلة ثم إلى شعر التفعيلة وإلى فسيفساء الملمح الأدبي المعاصر.

أما الأداة فقد تنوعت من الحركة إلى الكلمة إلى الصوت و اللون و الصورة، كما اغتنت الكلمة وتلونت بين الكلمة الفصيحة ]الأدب الفصيح[ و بين الكلمة الشعبية ]الشعر الشعبي، و الشعر الملحون..[... ولقد إختلفت الجودة وانجلى الرونق بين كل أداة وأخرى.

و من أبرز هذه المظاهر الأدبية في الجزائر الشعر الملحون الذي يعد رافدا أساسيا في دراسة الجوانب السوسيو أدبية داخل الجزائر، و نحن نقصد إلى ولوج فضاء قصيدة الملحون لا بد من المرور عبر معالم ثلاث، التي ستضع أيدينا على موضع البؤرة الحارة ذات الخصوصية و صدق التجربة، و تلك المعالم هي:

المرجعية :

- إن الحيز الجغرافي الذي تحتله الجزائر هو الذي جعلها عرضة لعلاقات معقدة و مشعبة منذ العصور القديمة، حين نلاحظ منذ 146 ق.م إهتمام القرطاجيين الرومان واضحا بمنطقة نوميديا، ذلك الإهتمام الذي خلف النواة الأولى للصراع و رسم الملامح الأولى للفعل المأساوي الذي حاصر الذات الجزائرية فجعلها تعيش جملة من الأحداث المأساوية و تعاني تحت وابل من الصراعات و الأحقاد التي كان يغذيها الرومان تارة و القرطاجيون تارة أخرى[1].

- و ما كادت تستقر الأمور، بعد أن انتشر الإسلام في ربوع الوطن، حتى ظهرت أول إمارة تشق عصر الطاعة على الخلافة الإسلامية، ثم توالت بعد ذلك الأحداث المأساوية التي صاحبت ظهور أو سقوط تلك الدول، حتى نبت في الجزائر ما يزيد عن إحدى عشرة (11) إمارة أو دويلة مستقلة عن بعضها و عن الخلافة الإسلامية[2].

- أما نتائج سقوط الأندلس فقد كانت مليئة هي الأخرى بالمآسى و اللآلام حين نزح المسلمون الناجون و الفارون من محاكم التفتيش إلى كل الشواطئ الجزائرية، التي عانت بعد ذلك من همجية و متابعة الجيوش المسيحية، مما أدى إلى تدمير كثير من المنشآت و المدن، وإلى زرع الموت و خلق جو من الخوف و  الرعب في كل الوطن الجزائري.

ولقد خُتمت هذه التحرشات باستعمار الجزائر سنة 1830، فوقعت الذات الجزائرية من جديد تحت أنقاض الإستغلال، و  الغبن اللذين، تجليا في التدمير الذي عرفته كثير من المدن الجزائرية، كما برزا أيضا في كثير من القوانين الجائرة، و خاصة قانون التجنيد الإجباري الذي أعقبته مباشرة الحرب العالمية الأولى، التي كان وقودها شباب الأمة الباقون من الثورات الوطنية التي لم يهدأ أوارها منذ وطئت أقدام الإستعمار أرض الجزائر.

- و في الوقت الذي كان يحتفل فيه العالم بالانتصار على النازية و الفاشية، كان هذا العالم ]ممثلا في فرنسا[ يقتل 45 ألف جزائري بقلب يملأه العبث والحقد و الانتقام.

- و عندما انفجرت ثورة التحرير، نجد أفقا مضيئا قد أطل وسط غيم وظلمة فأسرعت القلوب إلى معانقته، وكان الهول أكبر، حين فقدت الذات الجزائرية مليونا و نصف المليون من فلذات أكبادها في سبع سنوات من المعاناة و الغبن والنضال.

إن نوعية الأحداث التي عاشتها الذات الجزائرية كما أشرنا، كانت تتسم بالمأساوية وبالعمق، يؤهلانها لأن ترسخ في الذاكرة الجماعية و بقدر ما نؤكد على هذه الفكرة بقدر ما نبغي من ورائها إثبات تلك العلاقات و السلوكات المؤهلة تارة و المعرفية تارة أخرى، الحاصلة من تلك الأحداث، حيث نادرا جدا ما نجد حدثا دوليا أو عالميا لا تنسحب آثاره على الجزائر و لا تصل إليها شرارته، وذلك ما يؤكد تلك العلاقة الترابطية و المصيرية بين الجزائريين و بين سكان المنطقة المجاورة بدرجة أولى، و بين كل سكان العالم بدرجة ثانية و من هنا، تصبح تلك الظاهرة تشكل نقطة أساسية في مجال التثاقف، وفي اكتساب الخبرة وفي تثمين التجربة الذاتية وإثراء فضائها المعرفي.

الأنا / الآخر

إن الموقع المتميز الذي تحتله الجزائر كما رأينا، فرض على الذات الجزائرية علاقات خاصة جدا  و معقدة أكثر، حيث تلخصت مظاهر تلك العلاقة في مد وجزر بين (الأنا) الذات الوطنية، والآخر ]الذات الأجنبية[، لكن خبايا تلك العلاقة كانت معقدة و مؤثرة في كثير من الأحيان، لأن إشكاليتها لم تكن مبنية على أسس إنسانية طبيعية تمليها ظروف الجوار أو مبادئ التجارة أو التقاليد السياسية، بل كانت مؤسسة على عنصر الاستغلال و الاستحواذ و الهيمنية، وذلك ما زرع داخل الذات الجزائرية بذور الخوف و القلق، و في كثير من الأحيان الدمار و الموت.

ولقد عبرت عن كل ذلك فكرة صريحة تقول : "لقد شهدت منطقة المغرب العربي صراعا حادا بين الرومان و القرطاجيين إنعكست نتائجه سلبا فيما نشب بين نوميديا الغربية و نوميديا الشرقية من نزاعات إقليمية يعسر تحديد أسبابها، لأن هذه الأسباب لها علاقة بالماضي الغامض، وقد يعود بعضها إلى صراع قبلي قديم..."[3].

من الظاهر في النص السابق أن (الأنا) الجزائري لم يكن سيدا على أرضه، حرّا في تصرفاته و في رسم آماله، بل شاركه (آخر) أجنبي عن التربة، ولم يكن لمشاركته (الآخر) دور إيجابي أو خير، بل كانت تلك المشاركة تبغي بث الفرقة  و التناحر و التضاد بين خلايا الذات الواحدة، كما يلاحظ أن (الأنا) الوطني ظل واحدا لم يتغير على مر العصور، بينما (الآخر) كان دائم التغير، فهو مرة قرطاجيا، وثانية رومانيا وثالثة وانداليا ورابعة إسبانيا و خامسة فرنسيا، وبقدر هذا التعدد تنوع غبن (الأنا) الوطنية و كثرت همومه كما تنوعت خبرة الذات الجزائرية و كبر في لاوعيها الجمعي شبح القلق و الخوف تارة وارتسم أمام نظرها باب الحرية و الإصرار على التحدي تارة أخرى.

وبالاعتماد على المرجعية / العلاقة بين الأنا والآخر، تتجلى خصوصية الذات بين مجالين اثنين؛ التاريخ <= الذي ينشد الحقيقة المجردة، و الفن <= الذي يضع نفسه رهن الحقيقة في إطارها العام ليبني جسرا متينا بين الماضي و الحاضر فيجعلهما يتداخلان حتى إنه بعد ذلك يصعب التفريق بينهما[4], و من هنا تنبع خصوصية النص الفني عامة و النص الأدبي خاصة، و هي خصوصية الذات المنتجة للأجناس الفنية المختلفة، تلك الخصوصية التي تمتزج فيها التجربة <= سواء كانت قومية أو فردية (الأنا) مع المعاناة و الإرادة في  مواجهة (الآخر).

المعاناة / الإبداع

إن دسامة التجربة الوجودية الجزائرية كما رأينا أدت إلى اتحاد (الأنا) مع الإرادة ؛ حيث تشكلت الذات الوطنية و هي تريد على أساس الشعور بالذات إنما يتم في "...أنا أريد..." و لكي يجد المرء ذاته فعليه أن ينشدها في فعل الإرادة"[5]. ولقد تجسدت إرادة الذات الوطنية في مجموعة من الإنتاجات ؛ منها العسكري كرد فعل على الآخر، و منها الحضاري كبناء المدن و القرى الزراعية حماية من طبيعة، واستغلال خيراتها و منها الفني بشتى أجناسه6.

وبما أن مقصدنا من هذا البحث "هو الأنا في الشعر الملحون" فإنني أعتقد أن هذا الجنس من الأدب قد لجأت إليه الذات الجزائرية كرد فعل على تحريم تعلم اللغة العربية و على منع التعلم على أبناء الطبقات الشعبية الفقيرة التي جمعت بين حناياها كل خيوط المعاناة و الغبن على أساس أنها لم تكن ترغب في الانصياع لأوامر (الآخر) وإغراءاته، كما يمكننا القول بأن الفصل الأخر من معاناة الذات الجزائرية ]عندما استعمرت فرنسا الجزائر[ قد سبقه غبن آخر للحرف العربي، وذلك عندما نلاحظ أن الحكم التركي في الجزائر لم يكن مماثلا للحكم التركي في الشرق العربي، حين كان أتراك المشرق العربي نابعون من داخل القصور الإسلامية فنشأوا فيها و تعلموا اللغة العربية و الثقافة الإسلامية، لذا خرج منهم أدباء كبار يبدعون في اللغة العربية، أما في الجزائر فقد استلم الأتراك الحكم استجابة لطلب أهلها دفعا لشر الأسبان و هجوما تهم على الجزائر بعد ضعف الإمارات الإسلامية في الجزائر و سقوط الأندلس، لذا،حين أقاموا بالجزائر كانوا لا يعرفون اللغة العربية معرفة كاملة، الشيء الذي جعلهم يصبون اهتماماتهم على الحروب و على الجند، فأهملوا التعليم و الثقافة، فندر الناطق باللغة العربية الفصحية و كثر استعمال اللهجات المحلية حتى في المراسلات الرسمية وفي مجالس العلم و العلماء، حتى "..ظلت اللغة العربية ضعيفة، فلم تكن لغة رسمية يحفظها الأمراء و الحاشية،.. حتى شاع اللحن حتى بين الأدباء و النحاة..."[7].

إذن، إذا كانت اللغة العربية قد عرقلت عن أداء وظيفتها الطبيعية في التعبير عن معاناة الذات الجزائرية في كثير من الأحيان[8] فإنه بالمقابل، إن ذلك التعبير عن تلك المعاناة واقع لا محالة، في الشعر الملحون الذي رأى فيه أبو راس الناصر شيئا طبيعيا حين قال :".. و ما في الشعر الملحون من بأس، فإنه في هذا العصر لسان الكثير من الناس..[9]" كما أن ذلك الشعر في الفترة الإحتلالية كان يعتبر المتنفس الوحيد للذات الجزائرية حين كان الناس يجتمعون إلى المداح في حلقات".. و في كل شعب من شعب الأرض الجريحة ليضعها ضمارا على شغاف كل قلب مكلوم..[10] ولو عجنا على كل ما أبدعه شعراء الملحون نبغي إستقصاء معالم الذات و غبنها ضمن السيرورة التاريخية لما كفانا عن ذلك دهر طويل، واعجزت دونه مجلدات ضخام، لذا سنكتفي في هذه العجالة بنص لمصطفى بن ابراهيم بعنوان ".. قلبي تفكر الأوطان و الهالة.."

إن النص السابق يمتح من "الغربة" كمرجعية أساسية في فضائه الدّلالى، تلك الغربة المسلطة على الذات الجزائرية من الآخر مند القرون الأولى من التاريخ، وبهذا الفضاء الدلالي تصبح الغربة قضية وجودية حتمية فرضت على الذات بفضل عوامل شتى أهمّها تعنت (الآخر) و محاولته الدائمة الهيمنة و التسلط على تلك  الذات.

و عند الحديث عن الغربة وعلاقتها الجدلية بالذات الجزائرية فإننا نقع على درجتين من الغربة؛ غربة حقيقية عن الوطن بسبب الإنفصال الجسدي تحت ظروف كثيرة و متنوعة، وغربة معنوية عن الوطن، بما كان يفرضه (الأخر) من القوانين المجحفة في حق الذات و في حق الوطن حين يسلبها سبل التلاقي والتفاعل، و في ذلك نجد الشاعر محمد العيد آل خليفة يقول في مطلع قصيدته ".. أين ليلاي":

أين ليلاي أينها ** حيل بيني و بينها

إن "ليلى" محمد العيد ليست امرأة يعشقها، ولكنها في حقيقة الأمر لا تخرج عن شيئين اثنين ؛ الحرية أو الجزائر المسلوبة الحرية، و في كلتا الحالتين إن الشاعر بعيد عنها ولا يتحسس خصوصيتها ولا نكهتها بسبب الحواجز و الموانع التي أقامها المستعمر بينهما؛ حيل بيني و بينها.

ومن هذا تصبح الغربة في حيزها ]الحقيقي و المجازي[ قضية جوهرية في خصوصية الذات و مصيرا قاست من نتائجه و همومه، حيت نجد كثيرا جدا من الجزائريين على اختلاف فئاتهم الاجتماعية والوطنية تعرضوا للغربة و عاشوا في أعماق دهاليزها حتى ماتوا غرباء عن الوطن هائمين بالذات الوطنية بين ثنايا أحشائهم[11].

و  نتيجة لخصوصية مرجعية الذات الجزائرية فإن مظاهر الغربة لم تأخد شكلا فلسفيا محضا، بل كانت واقعا منتزعا من الدفاتر اليومية للذات الجزائرية، ومن هنا نلمح عالم النص الآنف الذكر، الذي نظمه من طرف الشاعر بسبب نفيه، أو هروبه، إلى المغرب و عليه فإننا نجد ركائز النص و فضائه تغوص في عمق الغربة الحقيقية الناتجة عن القهر و عن تعسف (الأخر).

و بالعودة إلى الزمن التاريخي الذي عاش فيه الشاعر مصطفى بن إبراهيم، نجده قد عاش ما يزيد عن خمس سنوات بعيدا عن الوطن و عن الأهل و الأصدقاء، كما يؤكد ذلك الزمن على أن هذه القصيدة كتبت في هذه الغرية التي كانت قاسية و عنيفة على وجدان الشاعر حتى تركت فيه بصمات لم تمح أبدا.

و تتجلى ظلال ذلك العنف من العنوان ذاته حين نجد توظيف جملة "قلبي تفكر"، حيث يبرز القلب و هو فاعل مقدم على الفعل و هي عادة تخالف اللغة العربية التي لا يقدم فيها الفاعل على الفعل إلا لعدّة أسباب منها : العناية و الاهتمام به، و هو سبب كاف ليجعل الشاعر يقدمه على الفعل لشدة ألمه و غبنه.

و بعد أن نتجاوز عنوان القصيدة نلاحظ خصوصية الشاعر في رؤيته لتلك العلاقة التي تربطه بالوطن و بمحيطه الإجتماعي، فنجد أن منطلقات مصطفى بن إبراهيم تتكرس خصوصياتها على النحو التالي : الأنا الفردي، الماضي المليء بالجاه، تمجيد الهيمنية و  القوة : -  إن اللحظة الآتية عند الشاعر في  هذه القصيدة متذاخلة و متناقضة مع اللحظات الماضية، و سبب ذلك التداخل و التناقض يبرز في ذلك التغير المفاجئ الذي حدث لحالته النفسية، حين يفتح قصيدته بقوله :

قلبي تفكر الأوطان و الهالة ** راني مهول ما نيش في حالى

قلبي تخبل بالوحش تخباله ** و علاه ياحر و غريب تلغي لي

إن ذلك التغير المفاجئ لحالته ولوضعه هو الذي جعله في حيرة من أمره ؛ هل الحالة التي آلت إليها وضعيته ناتجة عن عبث زمني لعبت فيه الصدفة دورا كبيرا، أم أن هذه الوضعية تسبب له فيها الحساد و الكارهون، و خاصة حين نعرف  أن حياة مصطفى بن إبراهيم في حذ ذاتها فيها  كثير من المواقف الغربية التي لم يستطع معظم الباحثين نفض الغبار عنها و توضيحها[12] و ذلك  ما جعلها شخصية تمثل تمثيلا حقيقيا الفترة الزمنية التي عاشت فيها، و بالتالي كانت النموذج الحقيقي للذات  الجزائية التي أنهكتها نوائب الدهر، ولعل ذلك ما  دفع الشاعر إلى القول :

نوبة نجالس شى ناس عقالة ** و نقول ذا الأول خير م التالي

نوبة نتفـكـر بالمثالـــــــــــة ** و يثور جرح المحنة و يربى لي

إن هذين البيتين يبرزان التناقض الذي يؤلم الشاعر، ذلك  التناقض الذي يكمل آنيه المأساوية التي عجز عن إيجاد تفسير معقول و مقبول لها، و لذلك وظف  كلمة (نوبة)[13] التي تقابلها في  اللغة العربية (مرة) و هي ذات دلالات وأبعاد نفسية غير خاضعة للقيد و التدبير، و  لذلك،أيضا, نجد حالة  الشاعر النفسية بعد كل (نوبة)  تتغير  و تتبدل من النقيض= نقول ذا الأول خير م التالي، إلى النقيض= يثور جرح المحنة و يربى لى.

 و من الملاحظات المهمة على البيتين السابقين لتلك الصورة التي يقول فيها : - ".. يثور جرح المحنة و يربى لي.." و هي صورة تؤكد على أن هناك معاناة أبدية دائمة داخل ذات الشاعر و أناه، وذلك ما  نستلخصه من كلمتي ".. يثور جرح.." لأن " الثوران" يدل على أن  الجرح كائن و  ثابت في  أغوار الذات و كينونتها و ليس جديدا، كأن الشاعر هذا يمتح من مرجعيتة الذات الوطنية المليئة بالجراح مثل ما رأينا في الفقرات السابقة، و إلا فإن حياة الشاعر الفعلية التي عاشها مليئة بالأفراح والملذات، وعليه فلا مجال للثوران.

وإنطلاقا من مأساوية  الأنا و غبنه، وهي الحالة التي عبرت عنها الأبيات الأربعة للقصيدة/ من "قلبي نفكر  الأوطان" إلى "جرح المحنة و تربى لي"، فإننا نضع أيدينا على تلك المفارقة الوجودية المتمثلة في  ذلك القلق و الإرتباك الذي باتت تعاني منهما ذات الشاعر، و من هنا تصبح "الأنية" حادة و مزعجة حتى عندما تنفلت من الزمن الأتي – بعد الأبيات الأربعة – و تنطلق في فضاء و الزمن الماضي نجدها ما تزال تعاني من ضغط الأن و قوته، على الرغم من  ذلك الماضي الملئى بالأمجاد و العز والجاه حسب ما قال :

من بعد ما كنت عزيز في حالــة **  ما نيش باخس بسومتى غالي

شاوي مع الطلبة شعت بمسألـة ** و نآمر الجن علاش يهوى لي

ولست قاضي و عندي عدالـــة ** وانفك بين  الشراع بفضالي

أعييت قايـد بطبــول زعالـــــة** و الحكم يظلم مادرت بافعالي

ولا غرابة في ذلك حسب إعتقادنا، لأن الشاعر يحكمه في هذا الوجود اللآشعور الجمعي الذي يحده زمن تاريخي مؤلم جدا، سواء في الأزمنة الغابرة، حسب ما بينا ذلك في المرجعيته من هذا البحث أو فيما كان يحدث للذات الجزائرية في الفترة التي عاش فيها الشاعر، و هي الفترة التي عاينت ضعف حكم العثمانيين في آخريات أيامه كما عاينت و قائع الإحتلال الفرنسي للجزائر و ماخلفه ذلك من تخريب و  دمار صوره الشاعر محمد بن الشاهد في قصيدة يقول فيها :

أمن صولة الأعداء  سور الجزائر ** سرى فيك رعب أم ركنت إلى البشر

لبست سواد الحزن بعــد المســّرة** و عمّت بواديك الفتون بلا حصر

وناح على الأسواق طير خبراتهـا** فأصبح فأس الهدم ينبئ بالغدر

كما أن الفترة نفسها شهدت المقاومة الشعبية بقيادة كثير من الأبطال الجزائريين، هذه المقاومة التي كان ثمنها غاليا جدا.

وانطلاقا من كلّ ذلك نلاحظ، و كأن الشّاعر انزاح عن فرديته و أناه  تحت تلك المرجعية و ذلك الحمل حين نجده يقول :

أهلي و ناسي في الشّوم رجّالة ** أشحال من وطن هداوه خالي

 أركاب م البعد يبان شعّالة   ** و القاط كمحة و السر فيلالي

 بارود يخرج م جعب يثقالـي ** شبّان تنطح في الشّوم بمشالي

إن (الأنا) الجمعي في هذه الابيات الثلاثة بارز بقوّة، مما يدّل على استحالة انفصال ( الأنا) الفردي انفصالا كليا عن الأنا الجمعي في بنية الذّات الجزائرية و مرجعيتها على الرّغم من كلّ الظروف التي عاشتها هذه الذّات على مر المراحل الزّمنية تحت تأثير و تحريض الذّات الأجنبية 14 لكن على الرّغم من كلّ ذلك كان الإلتئام مع الذّات الوطنية الجماعية يحدث بعمق و بإقتناع كامل.

وبما أننا أكّدنا نقطة الارتكاز في هذه القصيدة هي الزّمن الآني ]اللحظة الحاضرة[ التي تتحكم في بنيتي الشاعر؛ الفكرية و العاطفية، و هي التي تنتج، حول رؤيته ملامح المأساة و تدمي في أعماقه جرح الغربة نجده بعد الأبيات الثّلاثة السّابقة يقول:

شوفوا الدّنيا يا ناس بدّالة ** خلّيت وطني و اضحيت زوالي

حيث يسم الشّاعر الزّمن بالقسوة و الظلم، وهو الموقف الذي وقفه كثير من الفلاسفة و الفنّانين من الزّمن مثل»برجسون «و »بروش« و »مرهوف«  »هيدجر« الذين رأوا بأن ملامح المأساة الإنسانية و عمقها يتجسّدان عبر الزّمن و من خلاله15، و ذلك دليل قوي على أنّ شاعر الملحون قد وضع يده فعلا على المحور الأساسي للكيان الإنساني في سيرورته الوجودية المعبرة عن الخبرة التي تنطق من الأحاسيس الشخصية المنبنية عبر جزئيات الزمن النّفسي بمختلف مراحله، ثم تمتد نحو عالم الأشياء والموضوعات و الأحداث الخارجية قصد تحقيق ضربا من التوازن بين طاقات الإنسان من جهة، و بين الظروف الحيوية التي تحيط به من جهة أخرى..16

و قصد التخفيف من ضغط اللحظة الآنية و ترويحها عن النّفس التي أصبحت تئّن تحت آلامها المبرحة، يسرع الشاعر إلى تغيير الايقاع الموسيقي لقصيدته فيما يعرف ب "الهّدة" التي بدأها بقوله :

قلبي تفكّر لوطــــــان ** الزهور و ركوب الخيل

ارعيتي و الفرســــــان ** خودات في لحراج تميل

 متحزمين للفتيــــان ** شبان يلغو بكحيل

 إذا انتـصب الميــدان ** قلال و قصب تأويل

 وأتقــاصر و الغــيوان ** و فرايح بطول الليل

سبسي و كيف الدخان ** سهران بضي قناديل

 أمشي نقــار العديـــان ** مافات م الزهور قبيل

وهي الأبيات التي يلاحظ عليها شيئين اثنين:- الإيقاع الخفيف الرّاقص المهيمن على موسيقاها قصد خلق هزّات و توترات راقصة في نفس الشّاعر داخل هذه الآنية المأساوية الرّتيبة القاتلة، الشّيء الثاني يتجلى في معجمها اللّغوي الذي كان كله معجما يحمل مضامين الفرح والسعادة والنّشوة مثل= الزّهور، ركوب الخيل، ثميل، للفتان، قلال، قصب، تقاصر، فرايح، سبسي، سهرات، الزّهو، إلى آخر هذا المعجم الذي حاول الشّاعر أن ينقل عالما مغايرا لما هو كائن في اللحظة التي نظم هــــذه القصيدة ؛ و هي لحظة الابتعاد عن الوطن ]الغربة[. و بسبب ذلك نجد هناك تداخلا قويا، مرّة أخرى، بين زمنية آنية مليئة بالغبن و المأساة والآلام، و بين زمنية ماضية تجلّلها مجموعة من مظاهر الفرح و السّعادة، و ذلك كلّه ينطلق من ذكريات الشّاعر التي قد ثبعت في نفسه قبسا من الأمـل، أو تزوده بإحساس جمالي هو ".. الشعور بالـرضا أو اللـذة أوالاسـتماع17 ..".

وعند الوقوف قليلا أمام هذه اللّوحة الّتي تتجلّى فيها عناصر التناقض الوجودي في أقصى جدل و أرقى تداخل، تلفت انتباهنا قضية مهمّة ؛ إلا و هي صعوبة الفصل التام بين (أنا) الشاعر و ذاتيته، و بين (الأنا) الجمعي و  تراكماته التّاريخية، و ذلك لسبب بسيط؛ و هو كون ذات الشّاعر كانت تحمل في خصوصيتها النفسية و الفـنية و الفيزيولوجية كثيرا من ملامح الفترة الزمنية الّتي اتّسمت بالتناقض التّراجيدي، حين كانت الجيوش الفرنسية تواصل زحفها داخل العمق الجزائري بنفس القّوة التي كانت المقاومة الوطنية تشتد و تقوى تحت قيادة العديد من الأبطال الجزائريين، أما النقطة التراجدية فتبرز فيما ذكرته كتب التاريخ من تعاون بعض الشخصيات والقبائل الجزائرية مع الاستعمار الفرنسي في تسهيل تقدمه داخل عمق التراب الوطني، و هي القضية التي تبعث قلقا وجوديا حادا تارة و تنشر مظاهر العبثية و السخرية فوق أديم السيرورة الزمنية التي لا ترحم و لا تتوقف تارة أخرى، و هي تلك السيرورة التي أدخلت القبائل الوهرانية و المغاربية في مناوشات بعد معاهدة طنجة التي أرغمت السلطان مولاي عبد الرحمن على مطاردة الأمير عبد القادر من كل جهة، ثم انتهت بإخراجه من المغرب و استسلامه في قبضة الفرنسين18، ولعل ذلك يعتبر من الأسباب الأساسية التي جعلت الشاعر يقول :

أخلى بلاصي و الى ** ملكوه ما لا يرضا و باقوالي

بعد أن كان قد قال = ارعيتي و الفرسان = و : شبان يلغوا بكحيل

و هي الصورة التي يفتخر فيها بأهله و أصدقائه ورجلاته عموما، كما جعلنا نحن في حيرة من أمرنا، حين عجزنا عن الفصل في ذلك التّناقض الحاصل في تصنيف أصدقاء و رجال الشاعر، و تميز الذين معه عن الذين ضدّه، مما حعل (الأنا) الشاعرة هي المهيمنة على النص في عمومه و خاصة حين يضيف قائلا :

أعييت صابر و سفايني راحـلة ** هسّيت من وطني أيام و ليالي

 امحان قلبي كي جات متاصلة **  الوحش و الحب فرقة رجالي

نوبات صاحي و أيامي قـايلة **  و الضّحك بعض النوبات يحلى لي

نوبة مغيّم و دموعي سايلة   **  واش ينسّي ذاك النّدّ من بالي

إن الأبيات الأربعة ترتكز في بعدها الدلالي على جملتين إثنتين هما؛ اعييت "صابر" و " هسّيت من وطني.."، اللتين تدلان على أن غربة الشاعر، على الرغم من أنها تختصر حول نفيه إلى المغرب19 غير أن ذلك النّّفي يمثل نقطة في بحر النفي الوجودي الذي تعاني منه الذات الجزائرية تحت وطأة الاخر، لأن جملة "عييت صابر" تدل على طول المعاناة و الغبن، كما تدل جملة "..هسيت من وطني.." على ذلك الارتباط القوي بين الشّاعر و بين الوطن. كما أن الجملتين تشتملان على حمولة وجودية و خبراتية تفتّقت عنهما معرفة الشّاعر ووعيه بالمرجعية التاريخية للذات الوطنية في الجزائر و بالمصير المرتقب في ظل هذا التحرش المستمر عبر التاريخ من الطرف الأخر، و لهذا عبر الشاعر عن هذا الهّم بقوله (عييت) و (هسّيت) و هما الكلمتان الدالتان على الاستمرارية و التداول عبر الحقب الزّمنية، وهي الدلالة التي تنسحب على الذات الجزائرية ككل و ليس على ذات مصطفى بن براهيم وحدها التي تثبت المصادر التّاريخية أن حياته كانت مملوءة بالجاه و زاخرة بمظاهر الشهرة و القيادة.

ومما زاد في حدّة ذلك الارتباط القوي بين ذات الشاعر وبين الوطن في قضية التلازم المأساوي و الشعور بالغبن و المعاناة ما حام حول شخصية الشاعر من آراء و حوادث تكاد ترقى إلى المستوى الاسطوري؛ حين نعجز عن إيجاد تفسير منطقي و عقلي لها، و من أهم الأحداث المرتبطة بشخصيته ذلك التأثير القوي الذي كان للشاعر على المرأة في ذلك الوقت حتي كثرت عشيقاته و تعددت، على الرغم من أنه كان لا يتوفر على قدر كبير من الجمال، مما جعل عبد القادر عزة يقول : " و الحقيقة أن شهرته كفنان خلاب للنساء (دون جوان) كانت ثابتة عند الخاص و العام20 .."، كما تذكر بعض المصادر بأنه قد أتى بأعمال خارجة عن نطاق المعقول و التّصديق بفضل الأعمال السّحرية التي كان يتقن قوانينها21 .

و عند تجاوز تلك الجملتين ]أعيبت-و-هسّيت [ نشرف على تركيب آخر يدّل دلالة قوية على الاضطراب و القلق اللذين كان يشعر بهما الشّاعر "..الآن.." و تجاه الوجود ككل؛ و ذلك التركيب هو كلمة "نوبات" و"..نوبة.." بجمع التكسير في الأول و بالإفراد في الثاني، حيث نلاحظ في الأول هيمنة أيام (نوبات) الأفراح و السّعادة و كثرتها مقارنة مع "يوم"نوبة" الحزن و الغبن، لكن هذه (النوبات) المفرحة نجده يصفها بالعمومية التي لا تخلق لدى القارئ تأثيرا محدّدا و دقيقا ]أيامي قايلة[؛ يعني أيّام في شمس و كفى؛ و الوصف من هذا النوع يصبح تأثيرهو انطباعه غير محدّد و غير مؤثر، و ذلك ما ينبئ عن عجز في رسم أيام الفرح و السعادة وصفا دقيقا و محدّدا في لا وعيه و لا شعوره، و ذلك ما جعل الشطر الثاني من البيت فيه احتراز بدل العموم و الإطلاق فقال] والضّحك بعض الّنوبات يحلى لي[ ذلك ما يجعلنا نطرح السؤال التالي : لماذا الضحك بعض (النوبات) فقط و لم يكن دائما؟!

أما عندما عرّج الشّعر على (نوبة) الحزن و الغبن فنحسب عليه تحكّمه في الصّورة تحكّما فنيا و راقيا، وكأن لا وعي الشّاعر و لا شعوره يقصدان إلى ترسيخ و تأكيد صورة الحزن و الغم و الدّموع في ذاكرة القارئ إلى الأبد بقوله] واش يتنسّى ذا النل من بالي[ المقطع الذي يعلق فيه نسيان صورة الحزن و البؤس على صيغة استفهامية دالة على الاستحالة.

ونتيجة لما سبق نجد تلازما بين (اعييت) و (هسّيت) و (نوبات) و (نوبة) التي تدّل في معظمها على خلخلة وجودية في (أنا) الشاعر و ذاته، و تلك الخلخلة و ذلك الغبن و تلك المعاناة نابعة أساسا من لحظة زمنية آنية تغذيها مرجعية تاريخية/ تصادمية مع أنوات الآخر.

و بعد أن تبين للشاعر ذلك التصادم و التناقض الحاصل بين خلايا الكون الوجودية ]ممثلة في الشخوص كأجسام و هياكل ]الأنا/الآخر [اضطّر الشّاعر إلى الهروب نحو عالم الماهية]عالم المعنويات/الأخلاق..[ فنجده يقول :

غاب الحيا و المثاق ** من ناس جيلي القشور

 افنا و ناس العشـاق ** و مشاو ذوك الطيور

إلى آخر أبيات فراش -2- حيث يقول :

حصراه وين التّبلاق ** خيري تبدّل بشرور

وهي الأبيات التي ينتابها شيء من الضعف الفنّي سواء من حيث المعجم اللغوي أو في الصورة الفنية، و لعلّ ذلك يعود إلى محاولة الشّاعر الابتعاد عن ذاته و أناه والحديث عن الآخرين (عن حسّاده وأعدائه) فوجد نفسه تغرق في الوعظية و النّصائح.

أما في المقطع الأخير من القصيدة (هدّة-3-) فتجده يقول:

بعد الحصان و القومان تشالي ** شواش و خلفوات عمالي

إلى أن يقول :

قولوا على صفى يالقوّالة ** شوفو كيف رخص بعدما كان غالي

فنجد أربعة أبيات هي المشكلة لعمود القطعة و محورها، و الأبيات هي:

وطني زفيفزف و اهلي بنى تالة ** الحكم في بلعباس يهوى لي

 قهوة و كرس و النّاس متقــابلة ** الشّرب بعد مامر يحلى لي

 وليت عاشرشي ناس جهـــالة ** و قليل من يعرف لغة اقوالي

 يهد و القرق و يلبسو النعـــالة **و الراس عريان تقول هبالي

و ذلك لكونها اعتمدت أسلوب المقارنة بين مكانتين ]بلعباس و فاس[ والتقابل بين نمطين من البشر]سكان بلعباس و سكان فاس[، و نتيجة لتلك المقارنة و ذلك التقابل نلاحظ اختلافا شديدا في السلوكات و في العادات و  في اللّباس، ذلك الاختلاف و التّباين اللّذين أزعجا الشّاعر و أقلقاه،و ذلك أمر طبيعي، حين انعدام الانسجام و التكامل بين الشّاعر و بين المكان الجديد]فاس[ الذي بات مفروضا عليه أن يعيش فيه، على اعتبار أن تلك العلاقة الحميمية الحتمية بين الشاعر وبين رسوم مكانية عاشها كونت في حياته نغمية خاصة بنيت على أساسها حياته الداخلية22، و عندما بهتت تلك الرسوم في ديار الغربة طفت ملامح التنافر والتناقض على وجدان الشاعر في تلك اللحظة الآنية، مما أدى به إلى رسم لوحتين متناقضتين؛ لوحة الحياة في سيدي بلعباس زفيزف<=

 وطني زفيزف و أهلي بني تالة ** الحكم في بلعباس يهوى لي

قهوة و كرسي و النّاس متقابلة ** و الشّرب بعدما مرّ يحلى لي

وهي لوحة يمتزج فيها الفرح و السعادة مع الاستقرار و الأمان و الالتئام مع مرجعية المكان الذي نبت و تربّى فيه، ثم لوحة الحياة في الغربة <=

وليت عاشر شي ناس جهّالة ** و قليل من يعرف لغة أقوالي

 يهدوا القرق و يلبسو النّعالة ** و الراس عريان تقول هبالي

وهي اللّوحة التي تبرز قلق الشّاعر و عدم التئامه مع المكان الجديد الذي هاجر إليه، على الرغم من أن كلّ المصادر تقول بأن السلطان سيدي محمد قد أكرم و فادته و قرّبه من حاشيّه و عيّن له راتبا شهريا و وفر له سبل العيش السّعيد23 غير أن الشّاعر كان مرتبطا إرتباطا قويا بمرجعيته الوطنية و أناه، ولهذا السبب، نلحظ سمات المعاناة من الغربة و من عدم الارتياح إلى الآخر حتى و لو كان شقيقا أو جارا...


الهوامش

[1] - للإلمام بالموضوع أكثر يمكن مراجعة: أ : تاريخ أفريقيا الشمالية، شارل أندري جوليان، الجزء الأول ترجمة مزالي، تونس، 1969, ب : سياسة الروضة في  بلاد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط موريطانيا (146 قم – 40 م) الشنيشي، محمد البشير : سلسلة الدراسات الكبرى، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1982.

[2] - و من أهم هذه الدول الرسمتميون، الأدارسة، الأغالبة، الفاطميون، الزيريون، الحماديون، المرابطيون.

[3] - الشنيشي، محمد البشير: سياسة الروضة في بلاد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط موريطانيا.- الجزائر، المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع، ص.21.

[4] - د.قاسم عبده، قاسم : بين الأدب و التاريخ.- دار الفكر للدراسات و النشر و التوزيع، طبعة أولى، 1986.- ص.14-15.

[5] - د. البدوي، عبد الرحمن : دراسات في الفلسفة الوجودية.- المؤسسة العربية للدراسات و النشر، طبعة أولى، 1981.- ص.287.

[6] - معروف أن الفنون في الجزائر غنية و منوعة، سواء كانت الفنون في مجال الزخرفة أو الموسيقى، أو الأدب.

[7] - د. أبو القاسم، سعد الله : أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر.- الجزائر، المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، القسم الأول، الطبعة الثانية، 1981.-  ص.85

[8] - من الملاحظ أن اللحن في اللغة العربية كان داتيه حتى الأدباء المتمكنون من  اللغة العربية مثل الأمير عبد القادر، و الشاذلي القسنطيني، وأبي راس الناصر و غيرهم.

[9] - أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، د أبو القاسم سعد الله/ شرح الحقيقة: مخطوطة. – ص.61.

[10] - د. حرفي، صالح : شعر المقاومة.- الجزائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع.- ص.20.

[11] - كل الشخصيات الجزائرية البارزة تعرضت للنفي – إما خارج الجزائر أو إلى مكان آخر داخل الجزائر – أو للسجن، أو خرجت من الوطن بعد شعورها بخطر يداهما أو طلبا للعلم، و تلك هي العناصر الأساسية في تأكيد مظاهر الغربة و توسيع نطاقها في معيشي الذات... و سيرورتها الوجودية.

[12] - عند  عودتنا مثلا إلى كتاب الدكتور عبد القادر عزة مصطفى بن  إبراهيم شاعر بني عامر و ملامح القبائل الوهرانية، نجده يشير في كثير من الأحيان إلى غموض هذه الشخصية و إلى كثرة متنا قضاتها، و إلى كثرة حسادها، و  بالتالي كانت  شخصية ذات مزاج خاص جدا.

[13] - نوبة:  بضم النون، تعني في اللهجة الشعبية (المرة)، و نوبة: بفتح النون  تعني في اللغة العربية الحالة النفسية و المرضية (فاجاته نوبة قلبية).

14- مما يلاحظ في هذا الشأن أن الذّات الأجنبية حاولت أن تفصل الذات الفردية عن الذات الجماعية وذلك بإغراء الوطنيين الجزائريين عن طريق منهجهم مناصب مهمة مقابل الخضوع لها مثل ما حدث مع يوغرطة و الأمير عبد القادر في ثورة التحرير التي كانت انطلاقتها جماعية منظمة في الوقت الذي كان الاستعمار يعتقد أن الوئام الجماعي و أن الذات الجزائرية يستحيل جمع أشلائها بعد ذلك.

15- لتبيان علاقة الذات الجزائرية بالزمن في كلّ أقسامه و أجزائه يراجع "..الزّمن في الرواية الجزائرية.." مخطوط. و هو عبارة عن رسالة نالت بها درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، بالقاهرة.

16- زكريا إبراهيم : فلسفة الفن في الفكر العربي المعاصر.- دار مصر للطباعة.- ص.87.

17- فلسفة الفن في الفكر المعاصر.- م.س.- ص.87.

18- بن إبراهيم، مصطفى شاعر بني عامر و مداح القبائل الوهرانية، د.عبد القادر عزّة.- الجرائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع.- ص.12.

19- لقد اختلقت الروايات حول سبب هذا النفي ؛ هناك من يقول بأنه هرب بعد أن بذر أموال الضرائب التي جمعها في إحدى الليالي اللاهية، و هناك من يقول بأنه نفي بعد أن اكتشف أحد الحكام في المكتب العربي علاقة مشبوهة بين زوجته و بين الشاعر، للإطلاع على خلفيات القضية أكثر يمكن مراجعة كتاب "مصطفى بن إبراهيم" م.س.

20- بن إبراهيم، مصطفى : م. س.- ص.15.

21- حيث يقول عبد القادر عزة " ثم كب على مخالطة الطلبة محترفا "اليقشة" (الرقبة) و قد اشتهر قبل أقصائه "كيقاش" و نسب إليه بعض الخوارق " م. س، ص16.

22- جماليات المكان- غاستون باشلار، ترجمة : غالب هالستار، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر والتوزيع، طبعة ثالثة، 1987، ص.41.

23- يمكن مراجعة : بن إبراهيم، مصطفى: شاعر بنى عامر، م.س.- ص.ص.16-18.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche