المؤتمر الدولي : حماية وحفظ التراث في العالم العربي: الواقع، التحديات والآفاق، الحمامات، تونس 28-29 أبريل 2024

صليحة سنوسي (مؤلف)
41 – 46
عدد متنوع
ع. 107 — م. 29 — 30/06/2025

شاركت مجموعة من الباحثين المهتمين بالتراث الثقافي المادي وغير المادي من مختلف الأقطار العربية في مؤتمر دولي موسوم بـ "حماية وحفظ التراث في العالم العربي: الواقع، التحديات والآفاق" بتاريخ 28 و29 أبريل 2024، في مدينة الحمامات (تونس) والذي تم تنظيمه من طرف هيئة خبراء التراث في العالم العربي، ممثلة بمؤسسة "تراثنا" للدراسات والترميم بالجزائر وبالتعاون مع مخبر "عمران" بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والتعمير، جامعة قرطاج، )تونس(. عالجت إشكالية المؤتمر مجموعة من القضايا المتشابكة حول حماية الممتلكات الثقافية والتاريخية في الوطن العربي والحلول المقترحة لحماية وصون هذا الإرث، إلى جانب كيفية الاستثمار فيه بوصفه أحد آليات التنمية المستدامة. وذلك بتقديم مجموعة من الأبحاث والدراسات والتجارب والحلول المقترحة من قبل المختصين في المجال.

افتتحت أشغال المؤتمر في يومه الأول بكلمة المنسق العام لهيئة خبراء التراث في العالم العربي، هادف سالم، وكلمة رئيس مخبر "عمران" بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والتعمير، منير ذويب والمنسق العلمي للمؤتمر، نجم ظاهر، من جامعة قرطاج. ثم تلتها جلسة محاضرات افتتاحية نشطها كل من الأستاذ يوسف سعيد النتشة، مدير مركز دراسات القدس، جامعة القدس، وفردوس بلقاضي، جامعة قرطاج، وحسام الوعر، من جامعة ديندي (اسكتلندا)، وعاشور سرقمة، من جامعة غرداية. عرض المحاضرون واقع العناية بالتراث الثقافي العربي والتطور التاريخي لبعض المناطق مثل منطقة حلب وأهّم التحولات والتغيرات التي أصابها النسيج الحضري نظراً للتأثيرات التاريخية والمعمارية، ممّا أدى إلى محاولة طمس بعض المواقع العربية الأثرية وتغيير أسمائها مع عرض بعض النماذج. ومن بين التقنيات التي تطرق لها الباحث ريدة ديب من جامعة دمشق، هي تقنية استخدام بعض الوسائط التفاعلية 360° في نشر المواقع الأثرية، لما توفره هذه التقنية من زيارة شبه حقيقية للموقع الأثري قبل وبعد، وهي عبارة عن منصة إلكترونية تفاعلية مبتكرة هدفها الحفاظ على الهوية المكانية والبصرية للمواقع، موضحاً نموذجاً لموقع مدينة تدمر الأثرية والمسجلة على لائحة التراث العالمي.

انطلقت الجلستان الصباحيتان الأولى بعنوان "تحديات وآفاق حفظ وحماية التراث الثقافي في المناطق العربية المتأثرة بالصراعات الاجتماعية والاقتصادية"، حيث ركّز فيها المتدخلون، منهم: غسان عبود، عميد كلية سوريا، يوسف احنيش، جامعة ليبيا، عامر عبد الله نجم الجميلي، مركز دراسات الموصل، (العراق)، على الصعوبات والعراقيل التي تواجه إعادة تأهيل مراكز التجمعات السكنية العريقة والمدن التاريخية وكيفية الحفاظ عليها، إلى جانب أهمية توثيق النقوش الكتابية في المباني والمدن الدينية والتاريخية والسكنية، وإعادة تأهيلها كمدينة الموصل بالعراق وجنوب سوريا وليبيا. ومن بين أهّم تلك العناصر هي الزخارف والنقوش الكتابية والألواح التأسيسية. أما الجلسة الموازية "استراتيجيات التنمية المستدامة ومواجهة التحديات البيئية والاجتماعية"، فعالجت مسألة إزالة التشوهات من المواقع الأثرية وجهود هيئة التراث في حماية المواقع بالسعودية. في مداخلة مي بنت عبد الرحمن الشويعر، أخصائية التوثيق الأثري ونايف بن علي القنور، مدير إدارة حماية ومراقبة الآثار والقطع الأثرية من هيئة التراث بوزارة الثقافة السعودية، تطرقا إلى مجموعة من المواقع الأثرية التاريخية الإسلامية الموجودة بالسعودية وأهم المشاريع المستعملة في حمايتها، منها مشروع إزالة التشوهات التي طالت الرسوم الصخرية المتواجدة على بعض المواقع منذ آلاف السنين، كما ركزا على ضرورة التسجيل الرقمي لهذا الإرث التراثي والتاريخي. ومن جهتهما واصل كل من شهاب قواسمي من فلسطين وسلوى ميخائيل من جامعة الرشيد سوريا، في بحثيهما عن دور الفن في حماية التراث ومقاومة الاحتلال، إلى جانب عرض بعض النماذج ذات القيمة الحضارية والتاريخية والأثرية في حماية الإرث المعماري "كسوق ساروجا التراثي" الواقع شمال مدينة دمشق القديمة والمهدد بالمخاطر نتيجة الإهمال، مع ضرورة التفكير في استراتيجيات من أجل حمايته. أما مداخلة فردوس بلقاضي من جامعة قرطاج تونس، فتناولت أسس التحول في العمارة الإسلامية من القرنين الثاني عشر والثالث عشر في الأناضول (تركيا حالياً) والتأثير الأيديولوجي والفلسفي عليها، أبرزها تأثير فكر ابن عربي الصوفي على العمارة السلجوقية في الروم.

أمّا فيما يخص "تحديات الإعمار في ظل الاعتداءات البشرية والأحداث الطبيعية والحروب"، فقد كان هذا عنوان محور الجلسة المسائية الأولى التي افتتحها محمد خير الدين الرفاعي، مستشار في العمارة والترميم، إلى جانب بتول عيسى من كلية الهندسة المعمارية، دمشق. تطرقا فيها إلى حالة الإهمال والتدهور التي تتعرض لها المواقع الأثرية العربية وما يصاحبها من خراب ودمار جراء الحروب والكوارث الطبيعية، خاصة في سوريا. وكيف يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا رئيسيًا في عملية الحفظ والصون، بتقديمهما تجربة إحدى الجمعيات الأقدم في سوريا وأكثرها فاعلية وهي جمعية "العاديات"، وعمليات التأهيل التي قامت بها في المواقع الأثرية مثل "قلعة يحمور" في طرطوس.

أمّا أحمد القاسم الجمعة، وهو من أبرز الباحثين الأثريين في العالم العربي الإسلامي من جامعة الموصل بالعراق، فقد أشار في مداخلته إلى عملية تحقيق نصوص كتابية في مبانٍ مختلفة في العراق، منها الموصل الأثرية.

فيما يخص آليات وأساليب تأهيل التراث العمراني في المدن الصحراوية بالجزائر، فقد تطرق كل من دحدوح جمال وبن خالد الحاج من جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، إلى أهمية الأحياء العتيقة في المحافظة على الإبداعات العمرانية والمعمارية، وما أصابها لاحقًا من تحولات وتغيرات جذرية بعد الترميم أو التجديد، والتغيير في مواد البناء الحديثة. مشيرين إلى القصور التي تميز الجنوب وما أصابها من تشوهات وتغيرات.

أمّا الجلسة المسائية الموازية بعنوان "تحديات واستراتيجيات في حماية التراث الثقافي في الوطن العربي وتجارب التعامل مع التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، فقد تناول فيها الباحثون بعض الأمثلة والتجارب من البلدان العربية التي تأثرت مبانيها الأثرية جراء الحروب والأزمات، ما أدى إلى الخراب والدمار. ومن بين الباحثين عمار بن عبد الرحمن من الأكاديمية العربية الألمانية في برلين، الذي ألقى الضوء على موقع بصرى جنوب سوريا ومدى تأثير أزمة الحرب عليه، مركزًا على بعض التقنيات المبتكرة في إعادة ترميم بعض الأجزاء المهدمة وكيف تم إحياؤها بإمكانيات واستراتيجيات محلية تسهم في الحفاظ على الآثار. كما تطرقت منال سالم علي أبو مداس من الهيئة الليبية للبحث العلمي، جامعة بلاغراي للعلوم الحديثة، إلى التحديات والمخاطر التي يواجهها التراث الثقافي في الوطن العربي، وتأثير العوامل الطبيعية والبشرية عليه. أما مداخلة غسان برجس عبود، من بجامعة دمشق، فقد تناولت مجموعة من الصعوبات التي تواجه إعادة تأهيل مراكز التجمعات السكنية القديمة في جنوب سوريا.

أمّا في اليوم الثاني، فقد تطرق المتدخلون في الجلستين الصباحيتين
إلى استراتيجيات وتحديات إعادة إعمار وتثمين التراث العمراني في الوطن العربي. ومن بين أهم التقنيات والآليات التي نوّه بها المشاركون كانت تقنية بناء الأرض المستخدمة قديماً باستعمال مواد بيئية أكثر كفاءة واستدامة. هذا
ما أشارت إليه الباحثة دامن زينب من جامعة الأغواط، في مداخلتها بعنوان "تثمين التقنيات القديمة لتحقيق الاستقرار في التربة الخام باستخدام الألياف النباتية والسكريات في البناء". وفي نفس السياق، واصل الباحث حفصي مصطفى من جامعة ورقلة، مداخلته حول "أصلية مواد وعرف البناء في الترميم وتأثيرها على نجاعة التدخل"، مركزاً على مهارات البناء التقليدية مثل استخدام مادة الجير أو الكلس.

أمّا زينب قندوز غربال من جامعة سوسة (تونس)، فقد تطرقت في مداخلتها "ذاكرة بلا عنوان: قبلي القديمة، المدينة المهجورة إلّا من سكانها" إلى نموذج تقليدي معماري حي في مدينة قبلي بالجنوب التونسي، وما تحمله من أشكال معمارية ومجسمات تعكس طرائق الإنجاز وتفاعل الإنسان مع محيطه الاجتماعي والتاريخي.

كما قدمت عفاف عبد الحفيظ محمد رحمة من السودان مداخلة تضمنت دراسة ميدانية للصناعات التراثية التقليدية التي تتميز بها مدينة أم درمان، السودان أشار هادي دادان من جامعة ورﭬلة، في مداخلته إلى إحدى فرق الحضرة المتواجدة بالجنوب الشرقي الجزائري ورقلة، وهي "حضرة آت بابوسان"، والعلاقة التي تجمعهم ببنزرت ونابل في تونس.

أمّا مداخلة هادف سالم علي رحمان من الجزائر، فقد تطرق فيها إلى مشروع مهم حول رسم التفاصيل المعمارية بناءً على دراسة الهندسة الرياضية الفراغية في العمارة الإسلامية، مثل القباب المزخرفة والقباب المقرنصة، والقباب المملوكية الحجرية في مصر، والقباب الخزفية في العراق وآسيا الوسطى.

في الجلسة المسائية المعنونة "تحديات وفرص الحفاظ على التراث العمراني في العالم العربي"، تطرق الباحثون إلى تجارب بحثية وعملية في الحفاظ على التراث الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي. حيث قدمت الباحثة سنوسي صليحة من مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، عرضاً لمجموعة من الأدوات والوسائل لجمع وتوثيق التراث، منها إحصاء بحوث الطلبة بقسم الثقافة الشعبية بتلمسان وتصنيفها تصنيفاً موضوعياً. وكيف يمكن لهذه البحوث أن تكون أداة مهمة وفعالة في جمع قدر كبير من مواد التراث الشعبي وتوثيقها بدل أن تبقى سجينة الرفوف والمكتبات.

كما واصل كل من أحمد البوطي وأحمد لمخلطي من جامعة المسيلة،
في مداخلتهما حول أهمية التراث العمراني ورهان تحقيق السياحة المستدامة، خاصة العمارة العربية الإسلامية في القصور والمدن القديمة، كنموذج "حي العرقوب" بمدينة المسيلة.

وأشار الباحث فاتح أوذينة من جامعة المسيلة في مداخلته إلى أهم الجوانب الحضارية والعلمية في المباني التقليدية والأحياء العتيقة التي تترجم مجموعة من السلوكيات والممارسات لبعض العادات والتقاليد المحلية.

كما خصّص الباحث عبد الله خورشيد قادر من العراق، ورقته إلى الإشارة إلى الجهود التي يقوم بها المعهد العراقي لصيانة وحفظ الآثار والتراث من أجل المحافظة على الآثار المادية وغير المادية الخاصة بحضارة بلاد ما بين النهرين وأهم الأساليب والطرق لذلك.

في نفس السياق، أكّد فريد بن سالم من الجزائر في مداخلته إلى أهمية المشاركة المجتمعية بين القطاع العام والخاص، إلى جانب دور المجموعات الثقافية المحلية في مساهمتهم في تحقيق الاستدامة في حماية وحفظ التراث.

اختتم المؤتمر أعماله بعرض مجموعة من التوصيات، أهمها توصيات خاصة بالتراث الفلسطيني والدعوة لحمايته من الاعتداءات والتجاوزات والعمل على خلق إطار جماعي عربي تشاركي بين مختلف الهيئات في مجال حفظ وحماية التراث المادي وغير المادي.

Cite this article

SENOUCI, S. (2025). المؤتمر الدولي : حماية وحفظ التراث في العالم العربي: الواقع، التحديات والآفاق، الحمامات، تونس 28-29 أبريل 2024. Insaniyat - Algerian Journal of Anthropology and Social Sciences, 29(107), 41–46. https://www.insaniyat.crasc.dz/en/article/almwtmr-aldwly-hmaya-whfz-altrath-fy-alaalm-alarby-alwaqa-althdyat-walaafaq-alhmamat-twns-28-29-abryl-2024