الإصلاح التربوي في الجزائر: تحدّيات الحاضر والمستقبل


إنسانيات عدد 100، جانفي–مارس 2023، ص. 41-51


Nouria Benghabrit-Remaoun : Directrice de recherche retraitée, Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.


سمحت لنا كتابة هذه الورقة البحثية بإعادة صياغة الاهتمامات المطروحة في منتدى العلوم الإنسانيّة الإفريقيّة1، وذلك بتقديم رؤى من شأنها وضع قواعد وأطر لهذه الاهتمامات، حيث تأسّس مجال التّفكير في خضمّ المشاورات والنّقاشات القائمة حول الموضوع استنادا إلى خبرتي الطويلة في التّدريس والبحث والتّسيير، خاصّة خلال تقلّدي منصب مديرة المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة والثقافية. وفي الأخير، تجربتي الجماعيّة مع فريق بحثي وتربوي خلال الفترة التي تشرّفت فيها بتولّي منصب وزيرة التربيّة الوطنية لمدّة 5 سنوات (2014- 2019). وقد بدا لنا بشكل طوعي أن نعيد التفكير في إصلاح مناهج التعليم بغية إنهاء مسار تحويرها، إذ تمّ قطع شوط كبير في هذا المجال، ومع ذلك مازال الطّريق طويلا جدّا، حيث تقتضي الضرورة مراجعة تلك المناهج وتحيينها باستمرار. وكان هدفنا إحداث تغيير فعلي في الممارسات البيداغوجيّة2 مع تفادي الاتجاهات الطوباويّة أو المحافظة، لكن كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟

يتمحور موضوع الدراسة والتداول حول ثلاثة أسئلة تتعلّق بموضوع المناهج: السّياق، والتقييم، والرّهانات.

  • السؤال الأوّل: هل يجب أن تنتظر الدّولة إعادة النظر في المصفوفة المرجعيّة التي تعرف بما يُسمّى بالمركزية الأوربية للمنهاج، للسماح لجميع الأطفال من جيل معين بمزاولة الدراسة وانتظار البدائل من ناحية النموذج المرجعي. وإذا لم يكن كذلك، فما الذي يجب عمله على الفور لضمان استمرار خدمة التعليم العام؟
  • السؤال الثاني: أيّة معطيات، وأيّة مؤشّرات ذات طابع كمّي أو نوعي تخصُّ التقييم والتحليل الوطني والدّولي للنظام التّربوي، تمّ -انطلاقا منها- تسليط الضّوء على مستقبل المدرسة، خاصّة ما تعلّق بالمناهج، والتقييم والتّكوين؟
  • السؤال الثالث: كيف نفكّر في العلاقات بين الضرورات المختلفة: الضرورات السياسية والأمنية على المستوى الوطني والمحلي والدولي، وكذا العلاقة بين ثنائيات: التعدّدية /الفردية، التنوّع / الوحدة في سياق رؤية نقدية للمعارف؟

قبل الإجابة على هذه الأسئلة، نودّ التذكير ببعض المحطّات التّاريخية حول المنظومة التربوية.

في الجزائر المستعمرة، كان الهدف الاستيطاني للمستعمر استبدال شعب بآخر، حيث استخدم كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك. غير أنّ الجزائريين لجؤوا لمقاومات مستمرة دامت أكثر من قرن من الزمن، تلتها ثورة عنيفة دامت سبع سنوات وخلفت عددا كبيرا من الشهداء، وهو ما مكّنهم من استعادة الأرض، واثبات الجنسية، واسترجاع السيادة عام 1962. وفي بداية العام الدراسي للسنة الأولى من الاستقلال، تمّ تسجيل 750.000 تلميذا متمدرسا، في حين كان عددهم في العام السابق 305.000 تلميذا. وقد أشرف على تدريسهم حوالي 20.000 معلم، منهم 16.000 من أصل فرنسي غادروا البلاد في العام نفسه.

كان التحدي الأول لانطلاق نشاط المدرسة بشكل عاجل، هو القيام بالتوظيف، حيث تمّ تعيين عدد هائل من الموظفين المحليين غير المؤهلين. وتمّ إنشاء هيئة جديدة من المعلمين والمراقبين لمرحلتي الابتدائي والمتوسط. واللجوء إلى التعاون الأجنبي مع الدول العربية بشكل رئيسي، لتصل نسبة الموظفين المؤطرين إلى 36٪ في المرحلة الابتدائية، و55٪ في المرحلة المتوسّطة، و65٪ في المرحلة الثانوية، حيث بدأت اللغة العربية تحلّ تدريجياً محلّ اللغة الفرنسية بوصفها لغة التعليم.

الاستقلال ورهاناته التربويّة

إذا كان لابدّ للسياسي أن يستجيب -تحت ضغط الاستعجال- لمتطلبات التعليم المكثف، فقد استغرق الأمر قرابة خمسة عشر عامًا لبدء أول إصلاح تربوي على مستوى المنظومة عموما، والمناهج الدراسية خصوصا، تزامنا مع الانطلاق في تجسيد مخططات التنمية (المخطط الثلاثي 1967-1969 -المخطط الرباعي الأوّل 1970-1973). وبعد مرور حوالي ثلاثين سنة، أصبح من الضروري إعادة النظر بشكل شامل في المنظومة التربوية لمواجهة تحديات الجودة، ومن هنا نتساءل: إلى أين وصلنا بعد أكثر من نصف قرن؟

الإصلاح الأول 1976: كانت جزأرة الطاقم التربوي التحدّي الرئيسي لهذا الإصلاح ، حيث كان نجاحه يقاس بعدد المؤطّرين والمعلمين المكوّنين، والبرامج والكتب الوطنيّة، وكذا المنظومة التربوية الملائمة للأهداف التي حددتها مختلف المخططات الاقتصادية. كما مسّ التّغيير أيضا تطوير المعايير البيداغوجية الجديدة وكذا تكوين المعلمين.

وفي غضون عشرين عامًا من الجهود المستمرة، تحقّق التعليم المجاني بحوالي 100٪ للأطفال الذين بلغوا سنّ الدّراسة، وتوجّه ثلث الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عامًا نحو الجامعة والتّكوين. كما يعدُّ إلحاق الأطفال -الذين منعوا من مزاولة الدراسة قبل الاستقلال- بالمدرسة، نجاحا بشكل عام. ولا يُمكن تجاهل المشاكل الناجمة عن هذه العملية والتي ارتبطت أساسا بالفشل الدّراسي والتسرّب والانقطاع عن الدّراسة.

إنّ توحيد معايير الاستخدام البيداغوجي وفق ممارسة المعلمين، يضمن الطّابع التحويلي الموائم لسياقات كلّ حالة تعلّميّة. ورغم تنقيح المناهج بالكامل، إلا أنّ الفلسفة العامّة للمناهج ودرجة ترسّخها الثقافي لا زالت متجذرة في "خارج" ليس هو الوحيد ولا هو الحصري، كما كان الشرق الأوسط مصدر إلهام ثقافي وبيداغوجي. ويمكننا بالطبع تبرير هذه المقاربة بوضعها في سياقها التاريخي وتحديات المرحلة الماضية، حتى ولو لم يكن بالإمكان قبولها باعتبارها أمرا حتميا.

الإصلاح الثاني 2003: لا يزال هذا الإصلاح مستمرا إلى يومنا هذا، فالتحدي المطروح هو إعادة التفكير في المدرسة في ضوء الحقائق التاريخية الكبرى وأهمّها: خروج الجزائر من فترة عشر سنوات من الإرهاب شهدت فيها حربا داخلية شنها الإسلاميون المتطرفون على المجتمع، إضافة إلى التعافي من التعديلات الهيكلية التي فرضها صندوق النقد الدولي، والذي تزامن مع إعادة التوزيع الاقتصادي والهيكلي ابتداءً من سنوات الألفين.

إنّ التفكير في مجال التربية والتّعليم من منظور التّسويّة من خلال التقييم على أساس النّتائج المعتمدة على انتهاج المقاربة بالكفاءات، وهذا يعني أيضا التطرّق لمسألة المحتويات الدراسية وطريقة ترتيبها في المسار الدّراسي. ولتغيير ذلك، يجب وضع شرط أوّلي يتمثّل في التوقّف الكلّي عن إنتاج المعرفة الضّعيفة في مجتمعاتنا وحول مجتمعاتنا، سواءً كانت تلك المعارف التي تُنتَجُ في بلداننا، أو في إفريقيا بصفة عامّة من قبَل الإفريقيين، بحكم التأخر الذي تشهده الجامعات لا سيّما في مجال العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة.

كشف إعداد المناهج التي حدّدها المجلس الوطني للمناهج3، والتي تقوم على القيم الملائمة للإجابة على المسائل الهويّاتية، عن نقلة نوعيّة أحدثت تحوّلا في التمثّل الهويّاتي للقيم الواردة في النصوص القانونيّة من حيث كونها نتيجة لمسار يمكن أن نطلق عليه تسمية الجزائراتية. أصبح هذا التغيير مُمكنًا بعدما تمّ اعتبار أنّ التعدّديّة لا تُشكّلُ خطرًا على الوحدة، والتي يمكن أن تحدث شرْخًا في المصفوفة السّياسيّة المدعومة من المقاربة الأحاديّة، وهي مقاربة بُنيت على منطق الرّعب والتخوّف من المستقبل والفشل.

معطيات التحليل على الصّعيد الوطني والدّولي حول حالة المنظومة التربويّة

تمّ تحصيل هذه المعطيات من أربعة تحقيقات كبرى، ثلاثة منها وطنيّة وتحقيق آخر دولي.

  • كشفت دراسة تحليلية لمحتويات الكتب المدرسية، أعدّها أساتذة من الجزائر في نوفمبر 2014 حول مكانة وحجم نصوص القراءة التي ألّفها روائيون جزائريون، عن نسبة قليلة لهؤلاء الروائيين ما عبّر عن وضع إشكالي.
  • بيّنت نتائج الدّراسة المحصّل عليها من تحليل أوراق التلاميذ خلال الامتحانات الوطنية للسنة الخامسة، وامتحان التعليم المتوسط لسنة 2015، عددا من الأخطاء المتكرّرة في إجابات التلاميذ وتمّ تحليل الفروقات وتفسير الأسباب وأنواع الإخفاقات، التي كانت وراء الأخطاء المسجّلة في المواد الأساسيّة الثلاث أي اللغة العربية والرياضيات واللغة الفرنسية. ونستنتج من الدراسة أنّ هناك إخفاقا في إتقان فكّ التّشفير اللساني للغات في الطور الأوّل من المرحلة الابتدائية، والحال نفسه لفكّ تشفير الرّموز بالنسبة لمادّة الرياضيات.
  • أكّدت نتائج مشاركة تلاميذ الجزائر في التقييمات والتحقيقات والأولمبياد الإقليميّة والدولية سنة 2015، على غرار البرنامج الدولي لتقييم المكتسبات المدرسية (2017/2018)، ما سبق الإشارة إليه من تقييم في الدراسات سالفة الذّكر. يقيّمُ البرنامج الدولي لتقييم المكتسبات المدرسية الطريقة التي ينتهجها الشّباب في استغلال معارفهم وتوظيفها في ممارساتهم اليوميّة، ولا يعير اعتبارا لتقييم مستواهم النظري في مجال من مجالات العلوم أو الآداب. انحصر مستوى نجاعة تلاميذ الجزائر على العموم بين المستوى الأوّل والثّاني ضمن المستويات السبعة المتعارف عليها.
  • كشفت النتائج المتحصّل عليها من الاستشارة الوطنية حول ممارسات التقويم، والتي شارك فيها أزيد من 90٪ من معلمي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة سنة 2016 أي ما يُقدّرُ بـ 320.000 معلّما ومعلّمة، عن النقص المسجّل في الموارد البشرية بما يشكّل صعوبة أساسيّة أخرى تُضاف إلى الصعوبات السالفة الذّكر.

فرضت علينا هذه النتائج والتقويمات المحصّل عليها ضرورة إنشاء جهاز وطني متنوع.

المنهاجالبديل والانسجام

من هذا المنطلق، يجب عدم إنكار المقاومة المنظمة أو العفوية لبناء/إعادة تأسيس دولة وطنيّة ضمن سياق جيوسياسي آني عالمي/خطير أثّر فيه الاعتداء والتخويف والتدخل وتقويض الحق في الوجود السيادي للأمّة.

اعتمدنا، إبّان فترة المهمّة التي أوكلت لنا على رأس وزارة التربية، مقاربة تتمثّل في البحث -الفعل- التكوين- التدخّل. سمح لنا مسارنا الطويل في البحث الميداني بالتوجّه نحو بناء تشاركي في وضع المرجعيات الضروريّة لإعداد المناهج مع الفاعلين التربويين في الميدان (المعلّمون/المفتّشون، النقابات، الجمعيات).

ومن أجل مقاربة نوعيّة، ارتأينا القيام بما يلي:

  • 1. توحيد المعايير الوطنية في العمليات البيداغوجية بهدف ضمان قاعدة مشتركة للمرجعيات تخصّ التعليم والتعلّم، والتقييم والتكوين والحوكمة. أطلقنا على هذا النموذج تسمية "المرجعية الوطنية للتعلّمات والتقييم والتّكوين والتسيير Marwat".
  • 2. حوكمة المؤسسات التربوية المرتبطة مع أداء التلاميذ انطلاقا من فرضية أن المصير التعليمي للتلميذ لا ينبغي أن يخضع للحتمية الاجتماعية والثقافية.
  • 3. توفير بيئة ومناخ مدرسيين لضمان تعلمات التلاميذ.
  • 4. إشراك الفاعلين والشّركاء الاجتماعيين، خاصّة المعلّمين وأولياء التّلاميذ.

تلبّي هذه المقاربة الحاجة الملحة لمراعاة التكفّل بالتوصيات البيداغوجية الصادرة عن الندوتين الوطنيتين (جويلية 2014 و2015)، وعن التحقيق الوطني 2016، والاستشارة الوطنية حول التقييم 2017، والتي تقدّم بها إطارات التربية بالشراكة مع ممثلي العديد من الدوائر الوزارية والشركاء الاجتماعيين، والذين تمّت دعوتهم جميعا للمشاركة في نقاش مثمر وعمل جماعي بهدف تأسيس مدرسة ذات جودة.

انطلاقا من أنّ التكوين كان متداولا بشكل واسع بين المعلمين والمفتشين منذ 2004، كان علينا تلبية الاحتياجات الجديدة التي عبّر عنها جميع المعلمين تقريبًا في التعليم الإلزامي، أي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. ومن أجل إنجاز تغيير حقيقي، يسهم توفير أدوات العمل في حل جزئي لممارسات المدرّسين المعقّدة بدلاً من محاولة إعادة النظر في تصوّراتهم الديداكتيكيّة.

يسهم توفير أدوات العمل في حل ممارسات التدريس المعقّدة جزئيًا بدلاً من الرغبة في العمل على تصميمها التعليمي، وذلك من أجل تغيير حقيقي. فرض علينا، تجديد ثلث أعضاء هيئة التدريس بعد الخروج الجماعي للتقاعد المبكّر للمعلّمين، العمل على إعداد أدوات بيداغوجية ومنهجية استجابة لهذه الحالة الطارئة التي لم تعرفها المنظومة التربوية الجزائرية منذ الدخول المدرسي الأول سنة 1962.

ومع ذلك، فإن غياب مرجعية للتعليم/التعلم والتقييم والتكوين والتسيير تحدد مقاييس ومستويات الكفاءات الواجب تحصيلها وفقًا لمسار التقدّم المدرسي، فرض علينا تحديد الأولويات في تسيير الإجراءات التي تسبق عملية تكوين المعلمين والمفتشين. ومع ذلك، فقد قمنا بشكل تدريجي وموجّه بمرافقة عملية تكوين المفتشين والمعلمين بتوفير حافظات بالنسبة لبعض المواد، واستمارات تعليمية شفهية/كتابية بالنسبة للغات الوطنية أي العربية والأمازيغية.

من خلال سلم تصاعدي مؤلّف من أربعة مستويات استطاعت الوثيقة المرجعية الوطنية للتعلّمات والتقييم والتّكوين والتسيير أو الحوكمة في مستواها الثالث أن تعمّق وتستهدف التخصصات والكفاءات العرضية لفهم المكتوب.

تماشيا مع المنطق المؤسساتي في بناء المعيار التربوي، نجد في المقام الأول القانون التوجيهي للتربية، وفي المقام الثاني المرجعية العامة للمناهج والدليل المنهجي لإعداد المناهج، وفي المقام الثالث المرجعيات حسب المواد، وصولا إلى الكتاب المدرسي ودليل المعلّم في المقام الرابع والأخير. وقد تم توفير موارد بيداغوجية ناتجة عن مسارات التكوين لمهنيي وفاعلي قطاع التربية من خلال إعداد ثلاث مجموعات من الإصدارات: تتعلّق الأولى بالسياسة التربوية، والثانية بالموارد البيداغوجية والثالثة بالترسانة التنظيمية.

القانون التّوجيهي للتربية الوطنيّة: السياسة التربويّة

(2008)

 
   

إطار المرجعية العامة للمناهج (2009)

دعامات الاصلاح (2015)

   

المرجعية العامّة للمناهج

الدليل المنهجي لإعداد المناهج

التحوير البيداغوجي

 
 

الحوكمة المدرسية

الأطر المرجعية الوطنية

MARWAT (2019)

   

احترافية مهنيي التربية عن طريق التكوين

المرجعيات الوطنيّة للتعلّم والتّقييم

المرجعية الوطنية للحوكمة في الوسط المدرسي

   

المرجعيات الوطنيّة للتكوين

تحدّد المرجعية الوطنية للتعلّم 1 (MARWAT.1) مستويات الكفاءة (القدرات والمهام) التي يجب على كلّ متعلّم تحقيقها في مراحل معينة من مساره الدّراسي.

لا تستهدف المرجعية الوطنية للتقييم 2(MARWAT.2) قدرات التلميذ على استرجاع المعارف بقدر ما تركّز على كفاءته في إعادة توظيف المعارف التي اكتسبها سابقا في مواقف الاستخدام الاجتماعي: الوضعية اليومية، الوضعية-المشكلة. ...

تهدف المرجعية الوطنية للتكوين 3 (MARWAT.3) إلى تحقيق تطلّعات التكوين لدى مهنيي قطاع التّربية.

تضع المرجعية الوطنية للتسيير أو الحوكمة 4 (MARWAT.4) تقاطعا وارتباطا بين إدارة المدارس والأداء الناجع التلاميذ ومردود المدرسة: المحيط المدرسي وإشراك الموظفين ومشاركة أولياء التلاميذ، إلخ. أرفقنا هذه الوثيقة المرجعية للحوكمة بمنشورات قمنا بإعدادها على مدى ثلاث سنوات: موارد بيداغوجية ومنهجية (أدلّة، مختارات النصوص، حافظات، خرائط طريق،...)، موارد في تعليميّة التخصّص (إنشاء المشاريع البيداغوجية، إعداد المقاطع التعليميّة، امتحانات التقييم التكوينيّة والشّهاداتيّة، إلخ.)، وفي الأخير، وثائق ذات علاقة بالسياسة التربوية مثل تسيير المؤسّسات التربويّة، والوساطة في الوسط المدرسي وغيرها. تُوجّهُ هذه الوثائق-الأدوات إلى جميع المكوّنين في المفتّشيّة العامّة للبيداغوجيا والإدارة إضافة إلى معاهد التّكوين، ومصممي المناهج والكتب المدرسية، ومصممي مواضيع الامتحانات الوطنيّة، ناهيك عن المعلمين ومدراء المؤسّسات التربويّة.

تعدُّ المهارات والقدرات، الموضّحة في المهام المذكورة في الأمثلة السّالفة، أساسيّة
في العالم الذي ينتظره تلاميذنا والمتغير باستمرار، بما يتعيّن علينا التحكّم فيما يلي:

  • استخدام المفاهيم والإجراءات والأدوات اللغوية والعلمية والرياضية لوصف الظواهر وتحليلها وشرحها وتفسيرها وتوقعها والتنبؤ بها حتى يتفاعل المواطنون المطلعون والمفكرون الذين يتخذون مواقف وقرارات بمعرفة كاملة بالحقائق.
  • التفكير ووضع الفرضيات المناسبة من أجل الوصول إلى استنتاجات منطقية وموضوعية، دون الحاجة إلى سلطة خارجية للتحقق من صحة نهجها.
  • وضع استراتيجيات اتخاذ القرار في مختلف سياقات الواقع الفعلي، والتي تتضمّن على سبيل المثال التعرف على الطبيعة الرياضية والعلمية للوضعية-المشكلة، والعمل على حلّها بناء على الإمكانيات المعرفية الموجودة.
  • التعامل مع الوثائق بطريقة واعية ونقدية ومنطقية، مع مراعاة تنوع المواقف وتعقيدها.

من أجل أن يصل التلاميذ إلى مستوى التحكّم المطلوب في التعلّمات، فإن جميع المقاربات التعليمية والبيداغوجية التي يضعها المعلمون لها وجاهتها مثل: الطريقة المباشرة، المقاربة بالكفاءات، علم أصول التدريس، علم التربية القائم على حل المشكلات وغيرها، وما علينا إلّا معرفة كيفيّة انتقائها ودمجها وتبنيها وفقًا لغايات وأهداف الجمهور المتعلّم وسياق التعليم /التعلم المدرسي.

إن ربط التعلم المدرسي بالاستخدام الاجتماعي يعني الرغبة في الانتقال من منطق بيداغوجي يقوم على المحتويات وتلقينها وحفظها، إلى منطق يقوم على انتقاء تلك المحتويات وتوظيفها في سياق وضعيات فعل اجتماعي محدّد.

خاتمة

عندما تكون المعارف والممارسات والمعايير والقيم رهانات في تكوين مواطن المستقبل، تصبح المدرسة في قلب الصراع الإيديولوجي والسياسي المفروض عليها، ففي كل المجتمعات تُعدُّ المدرسة موضوعا للتنافس والانتساب بين فئة تؤيّد الفكر المحافظ والخصوصيات الثقافية، وفئة تؤيّد الرؤية المنفتحة والحديثة. تنطلق الفئة الأولى من موقف إيديولوجي محض، في حين تسعى الثانية للاستجابة للانشغالات المجتمعية في محيط عالمي يتوجّه نحو الحداثة والتقدم.

يقتضي هذا التوجّه توخي الحذر، وتجنّب التراجع المفاهيمي، وذلك بالرجوع إلى النهج المقارن الذي يعدُّ أساس العمل الذي تقوم به أو ما يُمكن أن تقوم به النخب المحلية. لا ينبغي تجاهل التحديد الدّقيق للمرحلة التاريخية التي نمرّ بها من خلال المسار المشروع والضّروري القائم على التفكيك والبناء والإنتاج وإعادة تملّك البدائل في المناهج. وإذا أردنا أن نتجاوز هيمنة النزعة الاستعمارية الجديدة مهما كان مصدرها، فلا مناص لنا من عمل شاق يتعيّن علينا القيام به انطلاقا من التاريخ من أجل فهم الواقع.

لقد انتقلنا حاليا من التحديات ما بعد الكولونيالية إلى تحدّي البناء الوطني ، وذلك من خلال الانفتاح الضروري للمناهج الدراسية، بالانتقال من رؤية لهوية حصرية إلى رؤية لهوية شاملة، بالاعتراف باللغة الأمازيغية بوصفها لغة وطنية رسمية إلى جانب اللغة العربية، إضافة إلى التوجّه التدريجي لتدريس اللّغات الأجنبية حسب الأطوار والمراحل. وانطلاقا من مقاربة منهجية وسياقية وتاريخية، استطعنا أن نبني ونُنهي بشكل جماعي تشاركي، أدوات توحيد المرجعيات التربوية الوطنية للتعلّمات والتقييم والتكوين والحوكمة، بالإضافة إلى إنجاز المختارات الأدبية المدرسية مع القاعدة المشتركة للمؤلفين الجزائريين.

ترجمة فاطمة الزهراء هبري وجيلالي المستاري

 

1 مداخلة قدمت في منتدى العلوم الإنسانيّة الإفريقيّة الذي نُظّم أيّام 28- 29- 30 سبتمبر 2021 بباماكو، مالي.

2 ممارسات صفيّة تستند إلى ثقافة مدرسية، تُعرف بمجموع المحتويات المعرفية والرّمزية التي من خلال انتقائها، وترتيبها، و"تقنينها"، والتعوّد عليها تحت تأثير الإكراهات التعليميّة، لتصبح أداة نقل متعمّدة في المدارس ( جون كلود فوركان) (J. C. Fourquin).

3 وزارة التربيّة الوطنية: اللّجنة الوطنيّة للبرامج المرجعيّة، والدّليل المنهجي لإعداد البرامج، مارس 2009.

جاء تنصيب المجلس الوطني للبرامج تطبيقا لمرسوم، بعد إنشاء اللجنة الوطنيّة للبرامج سنة 1999. إنّ تحسين وضعيّة اللجنة الوطنيّة للبرامج يُنمُّ عن الأهمّية التي أوليت للبعد البيداغوجي في إطار الإدارة التربوية.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche